Articles
الحماية القانونية للمستهلك في ظل التعاملات الإلكترونية
إن التوجهات الحديثة في مجالات التسويق والتجارة، والتوسع الحاصل في هذا المجال، يشير إلى ضرورة دراسة واسقاط الضوء على ما يترتب عليها من آثار على المستهلك، وعلى الحماية المفروضة عليه. فبعد ما كانت المعاملات التجارية عبر الوسائل الإلكترونية في مرحلة زمنية سابقةً تنحصر أكثر في مجال الصفقات التجارية الخاصة بطبقة معينة من التجار أو الشركات. أصبحت نشاطاً عادياً مع التطور التكنولوجي، يتيح للمستهلك العادي فرصة مقارنة السلع في أكثر من سوق عالمي. وضرورة في ظل الجوائح بعد ما شاهده العالم من انتشار لوباء عالمي.
في سبيل دراسة الحماية المدنية للمستهلك في ظل التعاملات الإلكترونية يجب ابتداءً تعريف المستهلك العادي، والإلكتروني، وتحديد الفرق بدقة بينهما.
أولاً: المقصود بالمستهلك في عقود التجارة الإلكترونية.
عرفت اتفاقية روما لسنة 1980 لتحديد القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية المستهلك، بشكل غير مباشر. حيث نصت على "تنطبق هذه الاتفاقية على العقود الدولية المبرمة لغرض توريد قيم مادية منقولة أو خدمات إلى شخص المستهلك لاستخدام يعتبر غريباً عن نشاطه المهني".[1] ويلاحظ من نص المادة تبني الاتفاقية للاتجاه الضيق في تعريف المستهلك. مركزاً على الهدف من الاستهلاك.
وفي ذلك ذهب التوجه الأوروبي رقم 7 لسنة 1997 المتعلق بحماية المستهلك، حيث نص على "كل شخص طبيعي تعاقد من أجل غاية لا تدخل ضمن نشاطه المهني". وتم التعديل عليه لاحقا في التوجه رقم 31 لسنة 2000 بإضافة عبارة "نشاطه التجاري إلى نهاية الفقرة. وهو بذلك أيضاً قد أخذ بالمفهوم الضيق للمستهلك.[2]
أما عن تعريف التشريعات الداخلية للمستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية، فقد عرفها القانون الفلسطيني في المادة الأولى من قانون حماية المستهلك "كل من يشتري أو يستفيد من سلعة أو خدمة" [3] ويلاحظ التوسع في تعريف المستهلك في ظل التشريع الفلسطيني، الأمر الذي قد يحمل حسنات وسيئات عند التطبيق الفعلي لهذا النص. إلا أنه وعلى الرغم من التوسع في التعريف للمستهلك، تخلو التشريعات الفلسطينية من فرض أحكام خاصة للمستهلك في التعاملات الإلكترونية، الأمر الذي يخلق مشكلة خاصة مع خصوصية التعاملات الإلكترونية.
ثانياً: قوانين التجارة الإلكترونية كأساس للحماية المدنية للمستهلك.
إن ما أدت إليه الحداثة من تطور الوسائل التجارية كشكل للتطور التكنولوجي المعاصر. يلاحظ وجود جهود دولية لتغطية هذا التطور قانونياً. وتغطيه تشريعياً بشكل كامل. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأنظمة القانونية العربية ما تزال بعيدة عن تغطية هذا التطور تشريعياً، على الرغم من بعض المحاولات التي لا تتعدى أحياناً كونها حبراً على ورق. مثال قانون المعاملات الإلكترونية الفلسطينية.
على صعيد آخر، من الممكن تفسير القوانين والتشريعات المحلية التي تعالج الحالات التقليدية، مثل قانون حماية المستهلك الفلسطيني، الذي على الرغم من اتساع نطاق تعريفه للمستهلك، يبقى قاصراً عند التصدي لتفصيليات معينة مثل التجارة الإلكترونية بشكل دقيق. إلا أنه من الممكن استنباط الحكم القانوني المناسب منه.
وبالنظر إلى تشريع آخر في هذا الموضوع، فجاء في قانون التجارة الإلكترونية لدوقية لوكسمبورغ في معرض الحديث عن حقوق المستهلك. حق المستهلك في الإعلام التفصيلي بكل مواصفات السلع والخدمات، وتكريس المبادئ التقليدية للتعاقد في مجال المعاملات الإلكترونية من ضمان العيوب الخفية وحق العدول.[4] بالإضافة إلى تحديد كل ما يتعلق بالدفع الإلكتروني من العملة المتعامل بها وأساليب الدفع.
ومن الجدير بالذكر أن الحقوق الثابتة للمستهلك والتي يجب أن تتم مراعاتها بغض النظر عن طبيعة التعامل هي بالأساس، الحق في الإعلام، الحق في الحصول على السلع والخدمات والحق في السلامة، الحق في الاختيار، والحق في الإنصاف والتعويض عند حدوث النزاعات.[5]
أما عن حقوق المستهلك في ظل التعاقدات الإلكترونية والتوجهات الحديثة، فمن الضروري القاء الضوء عليها بالطريقة التي تتناسب وحداثة الأساليب التجارية. فتبقى قائمة مثل حق المستهلك في الإعلام بالطريقة المناسبة، بالإضافة إلى خيار المستهلك في العدول والذي من الأرجى أن تسري مدته "حسب كل نظام قانوني" من وقت استلام المستهلك للسلعة. بالإضافة إلى حق المستهلك في الخصوصية من ناحية الحفاظ على معلوماته التي يشارك بها المزود، وهذا الشرط يعد خاصاً بحالة المستهلك الإلكتروني وقد يعد الأهم في هذه الحالة، إلا أنه لا يمكن التوسع في شرحه من خلال هذه المقالة. بالإضافة إلى حقه في الحماية من الإذعان في عقود التجارة الإلكتروني.[6]
من خلال ما تقدم، نخلص إلى ضرورة أن يتم معالجة حماية المستهلك وفق مفهوم المعاملات الإلكترونية الحديث، على الرغم من أنه هنالك هامش للتشريعات التقليدية لفرض الحماية. إلا أن توسيع مفهوم المستهلك، مثل التشريع الفلسطيني، قد يضفي الحماية على المستهلك في الحالة الإلكترونية، إلا أنه قد يقوم بفرض الحماية على فئات ليست بالضرورة من فئة المستهلكين لكن يندرجون تحت التعريف العام، الأمر الذي يتنافى والحكمة من سن التشريعات التي تحمي حقوق المستهلك.
[1] مادة (5/1)، اتفاقية روما بشأن القانون واجب التطبيق على العقود الدولية، 1980.
[2] عباس زواوي، الحماية المدنية للمستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية، مجلة الحقوق والحريات، جامعة محمد خيضر، ع4، 2017. ص307.
[3] المادة الأولى، قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم (21) لسنة 2005.
[4] مدحت عبد الحليم رمضان، الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية، دار النهضة العربية: القاهرة. 2001. ص15.
[5] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 39-247. 1985.
[6] عباس زواوي، مرجع سابق، ص311-314.